معنى وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ


س: ما معنى قوله تعالى: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلـُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }؟

الجواب:

قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال: أحدها: شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهما، عشرة منها في سورة براءة: "التائبون العابدون" [التوبة: 112] إلى آخرها، وعشرة في الأحزاب: "إن المسلمين والمسلمات" [الأحزاب: 35] إلى آخرها، وعشرة في المؤمنون: "قد أفلح المؤمنون" [المؤمنون: 1] إلى قوله: "على صلواتهم يحافظون" [المؤمنون: 9] وقوله في "سأل سائل": "إلا المصلين" إلى قوله: "والذين هم على صلاتهم يحافظون". قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ابتلى الله أحدا بهن فقام بها كلها إلا إبراهيم عليه السلام، ابتلي بالإسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال: "وإبراهيم الذي وفى" [النجم: 37]. وقال بعضهم: بالأمر والنهي، وقال بعضهم: بذبح ابنه، وقال بعضهم: بأداء الرسالة، والمعنى متقارب. وقال مجاهد: هي قوله تعالى: إني مبتليك بأمر، قال: تجعلني للناس إماما؟ قال نعم. قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: تجعل البيت مثابة للناس؟ قال نعم. قال: وأمنا؟ قال نعم. قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا؟ قال نعم. قال: وترزق أهله من الثمرات؟ قال نعم. وعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم. وأصح من هذا ما ذكره عبدالرزاق عن معمر عن طاوس عن ابن عباس في قوله: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال: ابتلاه الله بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الشعر. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والاختتان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء، وعلى هذا القول فالذي أتم هو إبراهيم، وهو ظاهر القرآن. وروى مطر عن أبي الجلد أنها عشر أيضا، إلا أنه جعل موضع الفرق غسل البراجم، وموضع الاستنجاء الاستحداد. وقال قتادة: هي مناسك الحج خاصة. الحسن: هي الخلال الست: الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان. قال أبو إسحاق الزجاج: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة، لأن هذا كله مما ابتلي به إبراهيم عليه السلام.

قلت: وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من أضاف الضيف، وأول من استحد، وأول من قلم الأظفار، وأول من قص الشارب، وأول من شاب، فلما رأى الشيب قال: ما هذا؟ قال: وقار، قال: يا رب زدني وقارا. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال: أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله. قال غيره: وأول من ثرد الثريد، وأول من ضرب بالسيف، وأول من استاك، وأول من استنجى بالماء، وأول من لبس السراويل. وروى معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم). قلت: وهذه أحكام يجب بيانها والوقف عليها والكلام فيها، فأول ذلك "الختان" وما جاء فيه.اهـ كلام القرطبي.

 

اختر لغتك