تفسير ءايات من سورة الكهف عن أصحاب الكهف


يقولُ الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءايَاتِنَا عَجَبًا {9} إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا {10} فَضَرَبْنَا عَلَى ءاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا {11} ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا {12} نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13} وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا {14} هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا {15} وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا {16} وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ ءايَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا {17} وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا {18} وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا {19} إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا {20} وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا {21} سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا {22} وَلا تَقُولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {23} إِلا أَن يَشَاء اللهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا {24} وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا {25}﴾. سورة الكهف

 إنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى يُخبِرُنا أنَّ قِصَّةَ أصحابِ الكهف وإبقاءَ حياتِهم مُدّةً طويلةً من عجائبِ ءاياتِهِ، والكهفُ الغارُ الواسِعُ في الجبلِ والرّقيمِ اسمُ كلبهِمِ أو قريتِهِم، أو اسمُ كتابٍ كُتِبَ فيهِ شأنُهُم، أو اسمُ الجبلِ الذي فيهِ الكهف.

﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ أي اذكُر إذ أوَى الفتيةُ إلى الكهف. ﴿فقالوا رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ أي رحمةً من خزائنِ رحمَتِكَ وهي المغفرةُ والرزقُ والأمن من الأعداء، ﴿ وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا﴾ أي الذي نحنُ عليهِ من مفارقة الكفار، ﴿رَشَدًا﴾ حتى نكونَ بسببِهِ راشِدين مُهتَدين، أو اجعل أمرَنا رَشَدًا كُلَّهُ، أو يَسِّر لنا طريقَ رضاك.

﴿فَضَرَبْنَا عَلَى ءاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ﴾ أي ضربنا عليها حجابًا من النومِ أن تَسمَعَ، يعني أنَمناهُم إنامَةً ثقيلَةً لا تُنَبِّهُهُم فيها الأصواتُ، ﴿سِنِينَ عَدَدًا﴾ ذواتِ عددٍ، قال الزَّجاج: أي تُعَدُّ عَدَدًا لكَثرَتِها لأنّ القليلَ يُعلَمُ مُقدارُهُ من غيرِ عَدٍّ فإذا كَثُرَ عُدَّ، فأمّا دراهِمُ معدودةٌ فهي على القلّةِ لأنهم يَعُدّونَ القليل ويزِنونَ الكثير.

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ أيقظناهم من النوم ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ أي لِنُبَيّن لهم أيُّ الحِزبين المختلفَينِ منهم في مُدَّة لُبثِهم ﴿أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ لأن الله سبحانَه وتعالى لا تَخفى عليهِ خافية وذلك لأنهم لَما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قولُهُ: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ وكانَ الذينَ قالوا ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ هم الذين علِموا أنّ لُبْثَهُم قد تطاوَل، أو أيُّ الحِزبين المُختلفين من غيرِهم ﴿أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ غايةً، والمعنى أيُّهُم ضَبَطَ أمّدًا لأوقاتِ لُبثِهم وأحاطَ عِلمًا بأمَد لُبثِهِم، وإنما قال: ﴿لِنَعْلَمَ مع أنه تعالى لَم يزَل عالِمًا بذلكَ لأن المرادَ ما تعلّقَ به العِلمُ من ظهورِ الأمرِ لهم ليزدادوا إيمانًا واعتبارًا ولِيَكونَ لطفًا لمؤمنِي زمانهِم وءايةً بيّنة لكُفّارِه.

﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ﴾ بالصّدق، ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ جَمعُ فَتًى، والفُتوّةُ بذلُ الندى أي المعروفِ وكفُّ الأذى وتَركُ الشكوى مما ابتلاكَ الله به، وتركُ الاعتراضِ عليه واجتنابُ المحارم واستعمالُ المكارِم، وقيل الفتى من لا يدّعى قبلَ الفَعْلِ ولا يُزكي نفسَهُ بعدَ الفعل.

﴿ءامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ يقينًا وكانوا من خواصِّ دِقيانوس، قد قذفَ اللهُ في قلوبِهم الإيمانَ وخافَ بعضُهم بعضًا، وقالوا لِيخلُ اثنانِ اثنانِ مِنّا فيُظهِرُ كلاهُما ما يُضمِرُ لصاحِبِه ففعلوا فحصلَ اتفاقُهُم على الإيمان، ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ وقوّيناها بالصّبر على هُجرانِ الأوطان والفِرار بالدين إلى بعضِ الغِيرَان، وجَسَّرناهُم على القيامِ بكلمةِ الحقِّ والتظاهر بالإسلام(أي إظهارِ الإسلام) إذ قاموا بين يدي الجَبار وهو دِقيانوس مِنْ غيرِ مُبالاةٍ به حينَ عاتَبَهُم على تركِ عبادَةِ الأصنام فقالوا مفتخرين: ﴿رَبُّنَا رَبُّ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا﴾ ولئن سمّيناهم ءالهةً ﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ قولاً ذا شططٍ وهو الإفراطُ في الظُّلم والإبعادُ فيه مِنْ شَطَّ يَشُطّ ويَشِطُّ إذا بَعُدَ، ﴿هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءالِـٰهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم﴾ هَلاّ يأتونَ على عبادَتِهم ﴿بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ بِحُجَّةٍ ظاهرةٍ وهو تَكْبِيتٌ لأنَّ الإتيانَ بالسُّلطانِ على عبادّةِ الأوثانِ مُحالٌ، ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا﴾ بِنِسبَةِ الشريكِ إليهِ لأن الكفرَ أكبرُ الظُّلم. ﴿وَإِذِ اِعْتَزَلْتُمُوهُم﴾ خِطابٌ مِنْ بعضِهِم لبعضٍ حينَ صَمَّمتَ عزيمَتُهُم على الفِرارِ بدينِهم، ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ﴾ أي وإذِ اعتزَلتُموهُم وإذ اعتزَلتُم مَعْبُودِيْهم، ﴿إلا الله﴾ لأنهم كانوا يُقِرّونَ بالخالق ويُشرِكونَ معه غيرَهُ كأهلِ مكةَ، أو وإذِ اعتزِلتُم الكفارَ والأصنامَ التي يَعبدونَها مِن دونِ الله أو هو كلامٌ مُعترِضٌ إخبارٌ من الله تعالى عن الفِتيةِ أنهم لم يعبدوا غيرَ الله، ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ صيروا إليه، أو اجعلوا الكهفَ مأواكُم ﴿يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته﴾ من رِزقِه ﴿ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ وهو ما يُرتَفَقُ به أي يُنتفَع، وإنما قالوا ذلك ثقةً بفضلِ اللهِ وقوّةً في رجائِهِم لتوكّلِهِم عليهِ ونصوعِ يقينِهم، أو أخبرَهم به نبِيٌّ في عصرِهِهِم.

 ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ﴾ مِن الزَّوَرِ وهو الميل ومنه زارَهُ إذا مالَ إليه، ﴿عَن كَهْفِهِمْ﴾ أي تَميلُ عنه ولا يقعُ شُعاعُها عليهم، ﴿ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ جِهةَ اليمين وحقيقَتُها الجهةُ المُسمَّاة باليمين ﴿وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ﴾ تَقطَعُهُم أي تتركهُم وتَعدل عنهُم، ﴿ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ﴾ في مُتَّسَعٍ مِنَ الكهف، والمعنى أنهم في ظلٍّ نهارَهُم كلَّه لا تصيبهُم الشمسُ في طلوعِها ولا غروبِها مع أنهم في مكانٍ واسع مُنفتِحٍ مُعرَّض لإصابَةِ الشمس لولا أنَّ الله يَحجِبُها عنهم، وقيل في مُنْفَسَحٍ من غارِهم ينالُهم فيه رَوْحُ الهواءِ(أي تنسِيمُهُ) وبَرْدُ النسيم ولا يُحِسُّون كربَ الغار ﴿ذَلِكَ مِنْ ءايَاتِ اللهِ﴾ أي ما صَنَعَهُ الله بِهم من ازوِرار الشمسِ وقَرضِها طالِعَةً وغارِبَةً ءايةٌ مِنْ ءاياتِ الله، يعني أنَّ ما كانَ في ذلكَ السِّمْتِ تُصِيبُهُ الشمسُ ولا تُصيبُهم اختِصاصًا لهم بالكرامة، وقيلَ بابُ الكهفِ شمالِيٌّ مستقبِلٌ لبناتِ نَعْشٍ فهُم في مَقَنَأة أبدًا(أي مكانٍ لا تدخلُهُ الشمس)، ومعنى ذلك من ءاياتِ الله أنَّ شأنَهم وحديثَهم من ءاياتِ الله، منَ يهدِ اللهُ فهو المُهتد ومن يُضلِل فلن تَجِدَ له وليًّا مُرشِدًا أي مَنْ أضلَّهُ فلا هادِيَ فلا هادِيَ له.

 

﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا﴾ جمعُ يَقِظٍ ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ نِيامٌ، قيل عيونُهم مُفتَّحَةٌ وهم نيام فيحسبُهم الناظِرُ لذلكَ أيقاظًا ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ قيل لهم تَقَلُّبتانِ في السَّنة، وقيلَ تقَلُّبّةٌ واحِدَةٌ في يومِ عاشوراء، ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ بالفِناءِ(فُسحَةِ الدَّار) أو بالعَتَبَة، ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ لو أشرفتَ عليهم فنظرتَ إليهم ﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ﴾ لأعرَضَتَ عنهم وهربتَ منهم ﴿فِرَارًا﴾ هو بمعنى وَلَّيتَ، ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ وهو الخوفُ الذي يُرعبُ الصَّدرَ أي يَملَؤهُ، وذلك لِما ألبَسَهم الله من الهيبةِ، أو لِطولُ أظفارِهِم وشعورِهِم وعِظَمِ أجرامِهِم.

وعن معاويةَ أنه غزا الرومَ فمرَّ بالكهفِ فقالَ أريدُ أن أدخل فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لقد قيل لَمن هو خيرٌ منك لولَّيتَ منهم فرارًا فدَخَلت جماعةٌ بأمرِهِ فأحرَقَتهُم ريحٌ.

﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ﴾ وكما أنمناهم تلكَ النومة كذلك أيقظناهُم إظهارًا للقدرَة على الإنامَةِ والبعثِ جَميعًا، ﴿لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ﴾ ليسألَ بعضُهم بعضًا ويتعرفوا حالَهُم وما صنَعَ الله بهم فيعتبروا ويستدلّوا على عِظمِ قدرَةِ الله ويزدادوا يقينًا ويشكروا ما أنعمَ الله به عليهم.

﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ﴾ وهو رئيسُهم ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ كم مُدَّةُ لُبثِكم ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وهو جوابٌ مَبْنِيٌّ على غالبِ الظّن ﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ بِمُدَّةِ لُبثِكُم، وهو إنكارٌ عليهم مِنْ بعضِهِم كأنهم قد علموا بالأدِلّةِ أو بالإلهام أنّ المدَّةَ متطاوِلَةٌ وأنّ مقدارَها لا يعلَمُهُ إلا الله، ورُويَ أنهم دخلوا الكهفَ غَدْوَةً وكانَ انتباهُهُم بعد الزوالِ فظَنّوا أنهم في يومِهِم فلما نظروا إلى طولِ أظفارِهِم وأشعارِهم قالوا ذلك، وقد استدلَّ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما على أنَّ الصَّحيحَ أن عدَدَهم سبعةٌ لأنه قد قال في الآية: ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ وهذا واحدٌ، وقالوا في جوابِهِ: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وهو جَمْعٌ وأقلُّهُ ثلاثةٌ، ثم قالوا: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ وهذا قولُ جَمعٍ ءاخرين فصاروا سبعةً، ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم﴾ كأنهم قالوا ربّكم أعلَمُ بذلك لا طريقَ لكم إلى علمِهِ فخذوا في شىء ءاخر مما يَهُمُّكُم فابعثوا أحدَكم أي يَمْلِخا ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ﴾ هي الفضّةُ مضروبةً كانت أو غيرَ مضروبَةٍ ﴿هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ هي طَرسُوسُ، وحَملُهُم الوَرِقَ عندَ فِرارِهم دليلٌ على أنَّ حَمْلَ النفقة وما يصلُحُ للمسافر هو رأيُ المتوكّلينَ على الله دونَ المُتَّكِّلِينَ على الاتّفَاقاتِ وعلى ما في أوعيةِ القوم من النفقات، وعن بعضِ العُلماء أنه كانَ شديدَ الحنين إلى بيتِ الله ويقولُ ما لهذا السّفرِ إلا شيئان: شَدُّ الهِميانِ(شىءٌ يُشدُّ على الخَصْر) والتوكُّلُ علَى الرَّحمٰن.

﴿فَلْيَنُظُرْ أيُّهَا﴾ أيُّ أهلِها ﴿أَزْكَى﴾ أحَلُّ وأطيبُ، أو أكثرُ وأرخصُ ﴿طَعَامًا فَلْيَأتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ ولِيَتكلَّفِ اللُّطفَ فيما يُباشِرُهُ مِنْ أمرِ المُبايعة حتى لا يُغبَن، أو في أمرِ التخفي حتى لا يُعرف ولا يُشعِرَنَّ بكم أحدًا ولا يفعلَنَّ ما يؤدّي إلى الشعورِ بنا من غيرِ قصدٍ منه فسَمّى ذلك إشعارًا منه بهم لأنه سببٌ فيه، ﴿إِنَّهُم﴾ أي الأهلَ ﴿إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يَطَّلِعوا عليكم ﴿يَرجُمُوكُم﴾ يقتلوكُم أخبثَ القِتلَة ﴿أو يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِم﴾ بالإكراهِ، والعودُ بمعنى الصّيرورة كثيرٌ في كلامِهِم ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أبَدًا﴾ أي ولن تُفلِحوا إن دخلتُم في دِينِهم أبدًا.

 ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرَنَا عَلَيِهِمْ لِيَعْلَمُوا﴾ ( أعثرنا : جعلنا غيرهم يعثرُ عليهم)  أي الذينَ أطلَعناهم على حالِهم ﴿أَنَّ وَعْدَ اللهِ﴾ وهو البعثُ ﴿حَقٌّ﴾ كائنٌ، لأنَّ حالَهم في نومِهم وانتباهَهَم بعدَها كحالِ من يموت ثمَّ يُبعَث، ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ فإنهم يَستَدِلُّونَ بأمرِهم على صحّةِ البعث.

﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ﴾ أي أعثرناهم عليهم حينَ يتنازعُ أهلُ ذلك الزمان، ﴿بَيْنَهُم أَمْرَهُم﴾ أمرَ دينِهم ويَختَلِفونَ في حقيقةِ البعثِ، فكانَ بعضُهم يقول تُبعثُ الأرواحُ دونَ الأجساد وبعضُهم يقول تُبعثُ الأجسادُ مع الأرواح ليرتفِعَ الخلافُ وليتبيّنَ أن الأجسَادَ تُبعثُ حيّةً حسَّاسةً فيها أرواحُها كما كانت قبل الموت. ﴿فَقَالُوا﴾ حينَ توفّى اللهُ أصحابَ الكهف ﴿اِبْنُوا عَلَيهِم بُنْيَانًا﴾ أي على بابِ كهفهِم لئلا يتطرّقَ إليهمُ الناسُ ضِنًّا بتَربيتهم ومُحافظةً عليها كما حُفِظَت تُربةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالحظيرَةِ، ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بهِمْ﴾ هو من كلامِ المتنازِعين كأنهم تذاكروا أمرَهم وتناقلوا الكلامَ في أنسابِهم وأحوالِهم ومُدَّةِ لُبثِهم فلما لَم يهتدوا إلى حقيقةِ ذلك قالوا ربّهم أعلمُ بهم، أو من كلامِ الله عَزَّ وجل ردًّا لقولِ الخائضينَ في حديثِهم. ﴿قَالَ الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِم﴾ من المسلمين وملِكُهم، وكانوا أولى بهم وبالبناءِ عليهم ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم﴾ على بابِ الكهفِ ﴿مَسْجِدًا﴾ يُصلّي فيه المسلمون ويتبرّكونَ مكانِهم، رويَ أنَّ أهل الإنْجيل عَظُمَت فيهم الخطايا وطغَت ملوكُهم حتى عَبدوا الأصنامَ وأكرهوا الناسَ على عِبادَتِها، ومِمن شدّد في ذلكَ دقيانوس فأرادَ فتيةٌ مِن أشرافِ قومِهِ أن يتبعوهُ على الشرك وتوعدَهم بالقتل فأَبَوا إلا الثباتَ على الإيمانِ والتصلُّبَ فيه، ثم هربوا إلى الكهفِ ومرّوا بكلبٍ فتَبِعَهم فطرَدوه فأنطَقَهُ اللهُ تعالى فقال ما تريدونَ منّي إني أحِبُّ أحِبّاءَ اللهِ فناموا وأنا أحرُسُكم، وقيل مَرُّوا براعٍ معهُ كلبٌ فتَبِعَهُم على دينِهم ودخَلوا الكهفَ فضرَبَ اللهُ على ءاذانِهم، وقبلَ أن يَبعَثَهم الله ملَكَ مدينَتَهم رجلٌ صالِحٌ مؤمن وقد اختلفَ أهلُ مملكَتِهِ في البعث بين معترفين وجاحدين فدخلَ الملكُ بيتَهُ وأغلقَ بابَه ولبسَ مِسْحًا وجلَسَ على رمادٍ وسألَ ربَّهُ أن يُبيّنَ لهم الحقَّ فألقى اللهُ في نفسِ رجلٍ من رُعيانِهم فَهُدِمَ ما سُدَّ به فمُ الكهفِ لِيَتَّخِذَهُ حظيرةً لغنَمِه.

ولَما دخلَ المدينةَ مَنْ بعثوه لابتياعِ الطعامِ وأخرجَ الوَرِقَ وكانَ مِنْ ضَرْبِ دِقيانوس اتهموهُ بأنه وجدَ كنزًا فذهبوا به إلى الملكِ فقصَّ عليهِ القِصَّةَ فانطلقَ الملكُ وأهلُ المدينةِ معهُ وأبصروهُم وحَمدوا الله على الآيةِ الدالّةِ على البعثِ، ثم قالت الفِتيةُ للملكِ نستَودِعُكَ اللهَ ونُعيذُكَ به من شرّ الجنّ والإنس، ثم رجِعوا إلى مضاجِعِهم وتوفَّى اللهُ أنفُسَهم فألقى الملِكُ عليهم ثيابه وأمرَ فجعلَ لكلِّ واحدٍ تابوتٌ من ذهبٍ فرءاهم في المنام كارِهين للذَّهبِ فجعلَها من السّاج وبنَى على بابِ الكهفِ مسجدًا.

﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ الضمير في ﴿سَيَقولون﴾ لِمن خاضَ في قِصَّتِهم في زَمَنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ المؤمنين، وأهلُ الكِتابِ سألوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنهم فأخَّرَ الجوابَ إلى أن يوحَى إليه فيهم فنزلَت إخبارًا بما سيجري بينَهم من اختلافِهم في عَدَدِهم وأنّ المُصيبَ منهم من يقولُ سبعةٌ وثامِنُهُم كلبُهُم، ويُروى أنَّ السيّدَ والعاقِبَ وأصحابَهُما مِنْ أهلِ نَجران كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فجرى ذِكرُ أصحابِ الكهف فقالَ السيّدُ وكان يَعقوبِيًّا كانوا ثلاثةً رابِعُهُم كلبُهم وقال العاقِبُ وكان نَسْطُورِيًّا كانوا خَمسةً سادِسُهُم كلبُهم، وقال المسلمونَ كانوا سبعةً وثامِنُهُم كلبُهم فحقَّقَ اللهُ قولَ المسلمين وإنما عَرفوا ذلك بإخبارِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبما ذكرنا من قبلُ، وعن عليّ رضي الله عنه هم سبعةُ نفرٍ أسماؤهم: يَمْلِيخا ومَكْشَلِنا ومَشْلِيينا هؤلاءِ أصحابُ يمينِ الملِكِ وكانَ عن يسارِهِ مَرَنُوشُ ودَبْرَنُوشُ وشَاذَنُوشُ، وكان يستشيرُ هؤلاءِ السّتةَ في أمرِهِ، والسَّابعُ الراعي الذي وافَقَهُم حينَ هربوا من ملِكِهم دِقيانوسَ واسمُ مدينَتِهم أَفْسُوسُ واسمُ كلبِهِم قِطْمِير.

 ﴿رَجْمًا بِالغَيْبِ﴾ رَميًا بالخَبَرِ الخَفِيّ وإتيانا به، أو وُضِعَ الرَّجمُ موضِعَ الظَّنِّ فكأنه قيلَ ظنًّا بالغيب لأنهم أكثَروا أن يقولوا رَجَمَ بالظنِّ مكانَ قولِهم ظنّ حتى لم يبقَ عندَهم فرْقٌ بين العبارَتين، والواوُ الدّاخِلَةُ على الجُملَةِ الثالِثَةِ هي التي ءاذَنت بأنَّ الذين قالوا سبعةٌ وثامِنُهُم كلبُهم قالوهُ عن ثباتِ عِلْمٍ ولَم يَرجُموا بالظَّن كما رَجَمَ غيرُهم، دليلُه أنَّ اللهَ تعالى أتبعَ القولينِ الأوّلين قولَهُ: ﴿رَجْمًا بِالغَيْب﴾ وأتبَعَ القولَ الثالِثَ قولَهُ: ﴿قُلْ رَبّي أعلَمُ بِعِدَّتِهم﴾ أي قل ربّي أعلمُ بِعِدَّتِهم وقد أخبركَمُ بها بقولِهِ: ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُم كَلبُهُم مَا يَعْلَمُهم إلا قَلِيل﴾ قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: أنا مِن ذلكَ القليل، وقيلَ إلا قليلٌ مِن أهلِ الكِتابِ والضميرُ في ﴿سيقولون﴾ على هذا لأهلِ الكِتابِ خاصّةً، أي سيقولُ أهلُ الكِتاب فيهم كذا وكذا ولا عِلْمَ بذلك إلا في قليلٍ منهم وأكثَرُهم على ظنٍّ وتَخمِين، ﴿فَلا تُمَارِ فِيهِم﴾ فلا تُجادِل أهلَ الكِتاب في شأنِ أصحابِ الكهف ﴿إلا مِراءً ظاهِرًا﴾ إلا جِدالاً ظاهِرًا غيرَ مُتعَمِّقٍ فيه وهو أن تقُصَّ عليهم ما أوحى اللهُ إليكَ فَحَسْبُ ولا تزيدَ من غيرِ تجهيلٍ لهم، أو بِمَشْهَدٍ مِنَ الناس ليظهَرَ صِدقُكَ ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُم أَحَدًا﴾ ولا تسأل أحدًا منهم عن قِصَّتِهم سؤالَ مُتَعَنِّث له حتى يقولَ شيئًا فترُدَّهُ عليه وتُزيّف ما عِندَهُ ولا سؤالَ مُسترشِدٍ لأنَّ الله تعالى قد أرشَدَكَ بأن أوحى إليكَ قِصَّتَهم.

﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَىْء﴾ لأجلِ شىءٍ تَعزِمُ عليه ﴿إِنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ﴾ الشىءَ ﴿غَدًا﴾ أي فيما يُستَقبَلُ مِنَ الزمانِ ولو كان بعدَ سنَةٍ أو أكثرَ، ولَم يُرِدِ الغَدَ خاصَّةً، ﴿إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ أن تقولَهُ بأنْ يأذَنَ لكَ فيه، أو ولا تقولَنَّهُ إلا بأن يشاءَ الله أي إلا بمشيئَتِهِ، أي إلا مُلْتَبِسًا بِمَشيئةِ الله تعالى قائلاً إن شاء الله، وقال الزَّجاجُ: معناهُ ولا تقولنَّ إني أفعَلُ ذلك إلا بِمشيئَةِ اللهِ تعالى لأنَّ قولَ القائلِ أنا أفعلُ ذلك إن شاء الله معناهُ لا أفعَلُهُ إلا بمَشيئَةِ الله، وهذا نهيُ تأديبٍ مِنَ اللهِ لِنَبِيّهِ حينَ قالتِ اليهودُ لقريش سلُوهُ عن الرِّوْح وعَن أصحابِ الكهف وذي القرنين فسألوهُ فقال ائتوني غدًا أُخبِركم ولم يستَثْنِ، فأبطأَ عليه الوحيُ حتى شقَّ عليه.

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾ أي مشيئَةَ ربِّك وقل إن شاء الله ﴿إِذَا نَسِيتَ﴾ إذا فَرَطَ منكَ نِسيانٌ لذلك، والمعنى إذا نسيتَ كَلِمَةَ الاستثناء ثم تنبَّهتَ عليها فتدَارَكْها بالذِّكر، عن الحسنِ: ما دامَ في مَجلِسِ الذّكر، وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: ولو بعدَ سَنَة، وهذا مَحمولٌ على تدارُكِ التبرُّكِ بالاستثناءِ، أو معناه واذكُر ربَّكَ بالتسبيحِ والاستغفارِ إذا نسيتَ كلمَةَ الاستثناءِ تشديدًا في البعثِ على الاهتمامِ بها، أو صلِّ صلاةً نسيتَها إذا ذَكرتَها، أو إذا نسيتَ شيئًا فاذكُرْهُ(أي اذكُر ربَّكَ) لِيُذَكِّرَكَ المَنسِي ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يُهدِيَنِ رَبّي لأقرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ يعني إذا نسيتَ شيئًا فاذكُر ربّكَ، وذِكرُ ربّكَ عندَ نِسيانِه أن تقولَ عسى ربي أن يَهدِيَني لشىءٍ ءاخرَ بدلَ هذا المَنسِي أقرَبَ منه رَشَدًا وأدنى خيرًا ومنفَعةً.

 ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ يُريدُ لُبثَهُم فيهِ أحياءَ مَضروبًا على ءاذانِهم هذه المُدَّةَ، ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ أي تِسعَ سنينَ لِدِلالَةِ ما قَبلَهُ عليهِ، ﴿قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثوا﴾ أي هو أعلَمُ مِنَ الذينَ اختَلفوا فيهم بِمُدَّةِ لُبثِهِم والحقُّ ما أخبِرُكَ به، أو هو حِكايَةٌ لكلامِ أهلِ الكتاب وقل اللهُ أعلم ردٌّ عليهم، والجمهورُ على أنّ هذا إخبارٌ مِنَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى أنهم لبثوا في كهفِهم كذا مُدَّةً. ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمٰوَاتِ وَالأَرَضِ﴾ ذَكَرَ اختِصاصَهُ بعِلمِ ما غابَ في السّمٰواتِ والأرض وخَفِيَ فيها مِن أحوالِ أهلِها.  ا.هـ.

اللهم ارحمنا واهدِنا وسدّدنا وعلّمنا ما ينفعُنا وانفعنا بما علّمتنا

اختر لغتك